حب التملك في العلاقات

عنوان المقال: حب التملك العاطفي

يُعدّ حب التملك من أكثر المفاهيم النفسية والعاطفية تعقيدًا في العلاقات الإنسانية، سواء كانت بين الأزواج، أو الأصدقاء، أو أفراد العائلة. ويقصد به تلك الرغبة الجامحة في السيطرة على الطرف الآخر، وامتلاكه عاطفيًا، ونفسيًا، وسلوكيًا، بشكل يجعل العلاقة تتسم بعدم التوازن، وتفقد روح الحرية والاستقلال. وعلى الرغم من أن الكثيرين قد يخلطون بين حب التملك والحب الحقيقي، إلا أن الفارق بينهما جوهري ويمتد إلى أبعاد نفسية وسلوكية تؤثر في الطرفين معًا، وغالبًا ما تقود إلى الانهيار العاطفي أو النفسي في حال عدم إدراكها ومعالجتها بالشكل المناسب.

المفهوم النفسي لحب التملك

من المنظور النفسي، يُصنف حب التملك كنوع من الاضطرابات المرتبطة بعدم النضج العاطفي، أو بوجود تجارب نفسية سابقة، كالإهمال العاطفي أو الخيانة أو الفقد. وهو يُعبّر عن حاجة دفينة في النفس للشعور بالأمان والاطمئنان، لكن بطريقة تفرض على الآخر التخلي عن خصوصيته واستقلاله. وغالبًا ما يرتبط حب التملك بالخوف من الهجر، أو بفقدان السيطرة، ويترجم في سلوكيات مثل: الغيرة المفرطة، مراقبة الشريك، منع التواصل مع الآخرين، والتحكم بتفاصيل الحياة اليومية.

الفرق بين الحب الحقيقي وحب التملك

الحب الحقيقي يقوم على مبدأ التشارك والدعم والحرية، بينما يقوم حب التملك على الامتلاك والسيطرة والانغلاق. في الحب الحقيقي، يريد الشخص رؤية الآخر سعيدًا ومستقلًا حتى لو كان ذلك بعيدًا عنه، بينما في حب التملك لا يتحقق الرضا إلا عندما يكون الآخر محصورًا ضمن دوائر السيطرة والانصياع. ولعل أهم ما يميز الحب الناضج عن الحب التملكي هو احترام الخصوصية، وتقدير الفضاء الشخصي، والثقة المتبادلة.

الأعراض والسلوكيات المرتبطة بحب التملك

حب التملك لا يظهر فجأة، بل يتسلل إلى العلاقات بشكل تدريجي، ويتجلى عبر مجموعة من السلوكيات النفسية والعملية التي تشمل:

• الغيرة المرضية: حيث يشعر الشخص بتهديد مستمر من وجود أي طرف آخر في حياة الشريك، حتى لو لم يكن هناك ما يبرر ذلك.

• المراقبة المستمرة: كأن يطلب تتبع الهاتف، أو الاطلاع على الرسائل، أو معرفة مكان الشريك في كل لحظة.

• التحكم في القرارات: يتدخل التملكي في خيارات الطرف الآخر سواء في اللباس، الأصدقاء، الهوايات، وحتى في العمل.

• العزلة الاجتماعية: يحاول عزل الشريك عن محيطه الاجتماعي ليبقى محصورًا فيه وحده.

• اللعب على العاطفة والشعور بالذنب: استخدام التهديد أو الحزن المبالغ فيه لجعل الشريك يشعر بالذنب إذا أراد الاستقلال.

• الإلحاح المستمر في التواصل: يطالب الطرف الآخر بالتواصل الدائم، ويشعر بالقلق أو الغضب في حال التأخير.

الأسباب النفسية والجذرية لحب التملك

يعود حب التملك إلى عدة عوامل نفسية وشخصية متراكبة، ومن أهمها:

1. تجارب الطفولة: الطفل الذي نشأ في بيئة غير مستقرة عاطفيًا، أو افتقد الأمان والحب، قد ينمو وهو يحمل خوفًا دائمًا من الفقد.

2. انعدام الثقة بالنفس: الشخص الذي لا يشعر بالكفاءة أو الجاذبية قد يخاف أن يُستبدل، فيحاول السيطرة على الآخر لضمان بقائه.

3. القلق من الهجر: وهو من أبرز محفزات حب التملك، وينتج عن علاقات سابقة مليئة بالخيانة أو الانفصال المؤلم.

4. الاضطرابات النفسية: مثل اضطراب الشخصية الحدية، أو اضطراب القلق العام، والتي ترتبط أحيانًا بسلوكيات تملكية.

5. النرجسية: الشخص النرجسي يرى الآخر امتدادًا لنفسه وليس فردًا مستقلاً، وبالتالي يتوقع خضوعه الدائم.

التأثيرات النفسية لحب التملك على العلاقة

الرابط العاطفي المبني على التملك يخلق حالة من التوتر الدائم وعدم الراحة النفسية، سواء عند الشخص التملكي أو الشريك الذي يخضع للمراقبة والسيطرة. وقد يؤدي هذا النوع من العلاقة إلى:

• فقدان الاستقلالية: حيث يشعر الطرف الآخر بأنه فقد حريته وهويته الشخصية.

• الاحتراق العاطفي: نتيجة الضغط النفسي الدائم الذي يتعرض له الطرفان.

• القلق والاكتئاب: خاصة لدى الطرف المُسيطر عليه.

• تدهور الثقة: لأن المراقبة المستمرة تعني بالضرورة انعدام الثقة.

• تفكك العلاقة: في حال غياب التوازن، غالبًا ما تصل العلاقة إلى طريق مسدود.

كيف يتطور حب التملك في العلاقات؟

يتطور حب التملك غالبًا في المراحل المبكرة من العلاقات العاطفية، حيث يُنظر إلى الغيرة والتعلق الزائد في البداية كعلامات حب وشغف. لكن بمرور الوقت، تبدأ هذه التصرفات تأخذ طابعًا تقييديًا، ويصبح التحكم والاستحواذ سمة أساسية في العلاقة. كما أن بعض الأشخاص يمتلكون قدرة على التلاعب العاطفي، ما يجعل الطرف الآخر يبرر هذه السلوكيات التملكية ويستمر في العلاقة بدافع التعاطف أو الخوف من الفقد.

الفرق بين التعلق وحب التملك

يجب التمييز بين التعلّق وحب التملك، فالتعلّق هو شعور طبيعي في العلاقات، يرتكز على الألفة والمشاركة والدعم المتبادل. أما حب التملك، فهو شكل غير صحي من التعلق يتميز بالرغبة في السيطرة والاستحواذ. ويمكن توضيح الفارق بينهما في الجدول التالي:

الجوانب الثقافية والاجتماعية في حب التملك

تلعب الثقافة الاجتماعية دورًا مهمًا في تعزيز أو الحد من سلوكيات التملك. ففي بعض المجتمعات، تُفسر الغيرة المفرطة والاحتواء الكامل على أنها علامات حب قوي، ويُشجع هذا التفسير سلوكيات التملك. كما أن الأدوار التقليدية للجنسين في بعض الثقافات قد تسهم في تعزيز هذه الظاهرة، حيث يُنظر إلى المرأة كملكية للرجل، والعكس في حالات أقل شيوعًا. هذا السياق الاجتماعي قد يُكرّس التصرفات التملكية ويُعيق نمو علاقات قائمة على المساواة.

كيف يمكن معالجة حب التملك؟

لا بدّ من الاعتراف أولًا بأن حب التملك ليس حبًا سويًا، بل سلوك بحاجة إلى تصحيح، ويستلزم علاج هذه الحالة وعيًا نفسيًا عميقًا، ويُفضل أن يبدأ من خلال:

1. الاعتراف بالمشكلة: إدراك أن سلوكيات التملك ليست طبيعية.

2. تحليل الدوافع: التعرف على المشاعر والدوافع التي تقود لهذه التصرفات.

3. تعزيز الثقة بالنفس: تطوير احترام الذات والاعتماد على النفس عاطفيًا.

4. التواصل الصحي: التحدث بانفتاح مع الشريك حول المخاوف والاحتياجات.

5. طلب المساعدة النفسية: اللجوء إلى معالج نفسي مختص في العلاقات.

6. بناء حياة مستقلة: الحفاظ على علاقات اجتماعية واهتمامات فردية خارج العلاقة.

خاتمة تحليلية

حب التملك ليس حبًا، بل هو قيد نفسي وعاطفي يُفرغ العلاقة من جوهرها القائم على التشارك والحرية. وهو يعكس احتياجًا داخليًا غير مشبع أكثر مما يعكس ارتباطًا حقيقيًا بالشريك. لذلك فإن التوعية بمخاطر هذا النمط، والتفريق بين الحب الناضج والتملك المرضي، يعدان أساسيين لبناء علاقات سليمة ومتوازنة. وحده الحب القائم على القبول والتقدير والحرية هو ما يُسهم في نمو الطرفين، ويُنتج علاقات عاطفية صحية وطويلة الأمد.

المراجع:

1. Bowlby, J. (1980). Attachment and Loss. Basic Books.

2. Johnson, S. (2008). Hold Me Tight: Seven Conversations for a Lifetime of Love. Little, Brown Spark.